“أوبن إيه آي” تطلق متصفح “أطلس” وتتحدى هيمنة جوجل الممتدة لـ 17 عامًا

“أوبن إيه آي” تطلق متصفح “أطلس” وتتحدى هيمنة جوجل الممتدة لـ 17 عامًا

22 أكتوبر 2025 Off By Hadeer Ali

أعلنت شركة “أوبن إيه آي” يوم 21 أكتوبر (بالتوقيت المحلي) عن إطلاق متصفحها الجديد “شات جي بي تي أطلس” (ChatGPT Atlas)، المدمج به نموذج “شات جي بي تي”. هذا الإعلان يشعل أجواء المنافسة في سوق تصفح الإنترنت والبحث، موجهًا تحديًا مباشرًا لهيمنة جوجل التي استمرت 17 عامًا. مفهوم المتصفحات يتطور الآن؛ فبعد أن كانت مجرد “نافذة” لعرض المعلومات، أصبحت تتجه لتكون “وكيلاً ذكيًا” (Agent) يفهم نية المستخدم وسياقه وينفذ المهام تلقائيًا بفضل الذكاء الاصطناعي.

آلية عمل “أطلس” والميزات الجديدة

يعتمد متصفح “أطلس” على محرك “كروميوم” (Chromium) الخاص بجوجل، ولكنه يدمج واجهة “شات جي بي تي” مباشرة بجوار شريط العنوان أو داخل علامات التبويب. هذا يسمح للمستخدم بطرح الأسئلة وإصدار الأوامر مباشرة أثناء التصفح دون الحاجة لفتح نوافذ منفصلة أو عمليات النسخ واللصق.

ويتميز المتصفح بخاصية “ذاكرة المتصفح” (Browser Memory)، التي تتذكر المحادثات السابقة وسجل التصفح. على سبيل المثال، يمكن للمستخدم أن يطلب: “ابحث عن إعلان الوظائف الذي رأيته الأسبوع الماضي وقم بتلخيصه”، وسيقوم المتصفح بتنفيذ المهمة تلقائيًا. كما يتضمن “وضع الوكيل” (Agent Mode) لأتمتة مهام كالبحث وجدولة المواعيد والتسوق، وهي ميزة متاحة حاليًا لمشتركي “بلاس” و”برو”.

اشتعال حرب المتصفحات ورد فعل السوق

دخول “أوبن إيه آي” هذا المجال لا يُعد مجرد ترقية، بل تغيير جذري في قواعد اللعبة. متصفح “جوجل كروم”، الذي يستخدمه حوالي 3 مليارات شخص حول العالم، يواجه الآن تحديًا غير مسبوق. والمنافسة لا تقتصر على “أوبن إيه آي”؛ فشركة “بيربليكسيتي” (Perplexity) أطلقت متصفح “كوميت” (Comet)، وجوجل نفسها تسعى لدمج نموذجها “جيميناي” (Gemini) في “كروم” لمواكبة التطور.

أظهر السوق قلقًا واضحًا؛ فبمجرد الإعلان عن “أطلس”، شهد سهم شركة “ألفابت” (الشركة الأم لجوجل) انخفاضًا حادًا بنسبة 4% خلال التعاملات، مما يعكس حجم التهديد الذي يشعر به المستثمرون.

محاور المنافسة الرئيسية

يحدد الخبراء ثلاثة محاور رئيسية ستحسم هذه المعركة التقنية:

  1. تحوّل تجربة المستخدم (UX): النموذج التقليدي كان (إدخال بحث -> النقر على رابط -> تصفح المحتوى). “أطلس” يقدم نموذجًا جديدًا: (التصفح -> طرح سؤال في السياق -> الحصول على إجابة فورية أو ملخص -> إنجاز المهمة). هذا يقلل من خطوات النسخ واللصق والتنقل بين علامات التبويب ويحافظ على سياق العمل.

  2. السيطرة على البيانات وحركة المرور (Traffic): المتصفح لم يعد مجرد “نافذة عرض”، بل منصة تفهم نوايا المستخدم. خاصية “الذاكرة” في “أطلس” تتيح لـ “أوبن إيه آي” الاحتفاظ بالمستخدم داخل نظامها البيئي، بدلاً من نموذج جوجل القائم على “توجيه” المستخدمين إلى روابط أخرى. هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي يتدخل بشكل استباقي، مما قد يؤثر على منظومة محركات البحث والإعلانات وتوزيع المحتوى بالكامل.

  3. صدام الخصوصية والتخصيص: ميزة “تذكّر” كل ما رآه المستخدم هي ميزة مريحة بلا شك، لكنها تعني تراكم كميات هائلة من بيانات المستخدم لدى المتصفح والذكاء الاصطناعي. تحاول “أوبن إيه آي” تبديد هذه المخاوف بالتأكيد على أن خاصية “الذاكرة” اختيارية، وأن بيانات التصفح لن تُستخدم في تدريب النماذج. ومع ذلك، يحذر الخبراء من أن هذا سيفتح الباب أمام تحديات تنظيمية وقانونية جديدة تتعلق بالخصوصية.

مستقبل البحث وتهديد نموذج جوجل

إذا نجحت المتصفحات الذكية، فمن المرجح أن يُعاد تشكيل سوق البحث بالكامل. استراتيجية جوجل التي تعتمد على “شريط البحث” كبوابة رئيسية للإنترنت أصبحت مهددة. إذا بدأ المستخدمون في إصدار أوامر مباشرة للذكاء الاصطناعي مثل “لخص لي هذا” أو “قارن بين هذه المنتجات”، فإن حركة المرور المعتمدة على الروابط ستنخفض بشكل كبير، وهو ما يضرب نموذج أرباح الإعلانات القائم لجوجل في مقتل.

يعتمد نجاح “أطلس” على مدى جاذبية التجربة التي سيقدمها للمستخدمين مجانًا، بالإضافة إلى الاستقرار التقني، والأمان، ودعم الإضافات (Plugins). في النهاية، نحن نشهد تحولاً جذريًا: المتصفح يتطور من كونه “نافذة” إلى “رفيق” يفهم ما ينوي المستخدم فعله ويساعده على إنجازه.

أصداء الحرب في السوق الكوري

من المتوقع أن تصل أصداء “حرب المتصفحات” هذه إلى السوق الكوري. شركتا “نيفر” (Naver) و”كاكاو” (Kakao) بدأتا بالفعل في الاستعداد، من خلال دمج نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بهما (مثل ClovaX و Kakao LM) في خدمات البحث والمتصفحات الخاصة بهما.

لكن الوضع في كوريا يواجه تحديًا مختلفًا يتمثل في القوانين التنظيمية الصارمة لحماية البيانات الشخصية (PIPA) ومعايير أخلاقيات الذكاء الاصطناعي. هذه القوانين قد تحد من فعالية الميزات التي تعتمد بشكل كبير على “ذاكرة” بيانات المستخدم. ولهذا، تركز الشركات الكورية على “الشفافية” و”حماية البيانات” كاستراتيجية تنافسية لكسب ثقة المستخدمين.