الثوم.. “الذهب الأبيض” بين الفوائد الطبية وأسرار الزراعة المنزلية للحصول على أفضل نكهة

الثوم.. “الذهب الأبيض” بين الفوائد الطبية وأسرار الزراعة المنزلية للحصول على أفضل نكهة

19 نوفمبر 2025 Off By Zainab Ibrahim

لا يختلف اثنان على أن الثوم ركن أساسي في المطبخ، فهو يضفي نكهة لا تُقاوم على مختلف الأطباق، ورغم رائحته النفاذة التي قد ينفر منها البعض، إلا أنه يظل “صيدلية طبيعية” متكاملة. يجمع هذا النبات الفريد بين الخصائص العلاجية المذهلة وسهولة زراعته منزلياً، مما يجعله مشروعاً شتوياً مثالياً لعشاق البستنة والنكهات الأصيلة.

قيمة غذائية عالية ومحاذير ضرورية

عند النظر في التركيبة الغذائية للثوم، نجد أنه رغم صغر حجم الفص الواحد، فإنه مخزن للفيتامينات والمعادن. يحتوي الفص على حوالي 14 سعرة حرارية ونسب ضئيلة من البروتين والكربوهيدرات، لكنه غني بفيتامين “سي” (2.81 ملغ)، والسيلينيوم، والمنغنيز، والحديد. ورغم هذه الفوائد الجمة، يحذر الخبراء من الإفراط في تناوله؛ حيث تشير تريسي بريغمن، خبيرة التغذية بجامعة جورجيا الأميركية، إلى أن الحد الأقصى الموصى به يتراوح بين فص إلى فصين يومياً. ويؤدي تجاوز هذه الكمية إلى مشكلات هضمية مثل آلام المعدة، الانتفاخ، الإسهال، فضلاً عن رائحة الفم الكريهة.

درع واقٍ ضد الأمراض

تكمن قوة الثوم الحقيقية في مركباته النشطة، وتحديداً في نهايات أبصاله الغنية بمركبي “الأليسين” و”الأليناز”. وقد أظهرت دراسات نشرت في دوريات علمية متخصصة في علم المناعة أن هذه المركبات تحفز الخلايا المناعية، مما يعزز قدرة الجسم على مقاومة الالتهابات والوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا. وفي سياق أخطر الأمراض، تلعب المواد الكيميائية النباتية في الثوم دوراً في حماية الخلايا من التلف، وتشير أبحاث أجريت على الحيوانات إلى احتمالية تقليله لخطر الإصابة بسرطانات المعدة والقولون والمستقيم، وإن كانت النتائج البشرية لا تزال بحاجة لمزيد من التقصي.

صديق القلب والرياضيين

لا تتوقف الفوائد عند المناعة، بل تمتد لصحة القلب والأوعية الدموية. فقد كشفت دراسات حديثة أن تناول مستخلص الثوم بانتظام قد يسهم في خفض ضغط الدم وتقليل تصلب الشرايين، بالإضافة إلى خفض مستويات الكوليسترول الضار ومنع تراكم الدهون في الأوعية. ومن الناحية البدنية، يُعد الثوم محفزاً طبيعياً للنشاط، حيث يطلق مركب “أكسيد النيتريك” الذي يريح الأوعية الدموية ويزيد تدفق الأكسجين للعضلات، وهو ما أثبتته تجارب على القوارض أظهرت تحسناً ملحوظاً في قدرتها على التحمل أثناء التمارين الشاقة.

سر النكهة.. لماذا الزراعة المنزلية أفضل؟

للحصول على أقصى استفادة من هذه الفوائد والاستمتاع بطعم لا يُقارن، ينصح الخبراء بزراعة الثوم منزلياً، وتحديداً الأصناف ذات “العنق الصلب” (Hardneck). تتفوق هذه الأصناف في النكهة على تلك التي نشتريها من المتاجر (غالباً ما تكون ذات عنق لين)، حيث تنتج فصوصاً أقل عدداً لكنها أكبر حجماً وأغنى طعماً. يحتاج هذا النوع لزراعته في الخريف ليأخذ قسطاً من الراحة في التربة الباردة، مما يجعله خياراً مثالياً لمناخاتنا التي تميل للبرودة في الشتاء، وهي عملية سهلة وممتعة ولا تتطلب مساحات شاسعة، إذ يمكن زراعته حتى في الحاويات الصغيرة.

خطوات الزراعة الناجحة على طريقة الخبراء

وفقاً لتوصيات تشارلز كيمنتزر، البستاني الخبير والحائز على جوائز في زراعة الثوم، تبدأ العملية باختيار فصوص عضوية كبيرة الحجم من مشتل موثوق أو سوق للمزارعين، مع تجنب البذور المعقدة. التوقيت المثالي للزراعة هو أواخر الخريف (أكتوبر أو نوفمبر)، وقبل تجمد الأرض بأسابيع، والهدف هو السماح للجذور بالنمو قبل حلول الشتاء القارس دون أن تنبت الأوراق قبل الربيع. يفضل الثوم تربة خصبة جيدة التصريف ومزودة بالسماد العضوي، حيث تُغرس الفصوص بعمق 3 بوصات وبتباعد 6 بوصات، ثم تُغطى بطبقة من القش أو أوراق الشجر للحفاظ على الرطوبة ومنع نمو الأعشاب الضارة.

مراحل النمو والحصاد

مع حلول شهر مارس، يبدأ النمو الحقيقي للثوم، وفي شهر يونيو تظهر سيقان زهرية ملتوية يجب قصها لتوجيه طاقة النبات نحو تكبير حجم البصلة. وبحلول منتصف الصيف (يوليو)، عندما يتحول لون نصف الأوراق إلى البني، تحين لحظة الحصاد. يتم ذلك عبر تخلخل التربة برفق باستخدام شوكة حديقة ورفع الأبصال دون شدها من السيقان، لأننا سنحتاج لتلك السيقان في المرحلة الأخيرة والأهم وهي “المعالجة”.

المعالجة والتخزين لضمان الجودة

لضمان تخزين طويل الأمد ونكهة مركزة، يجب “معالجة” الثوم، وهي ببساطة عملية تجفيفه في مكان جيد التهوية بعيداً عن أشعة الشمس المباشرة، مثل المرآب أو الشرفة، لمدة أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. بمجرد أن تصبح القشور الخارجية ورقية الملمس، يتم قص الجذور وترك بضعة بوصات من الساق، ليتم تخزينه بعدها في مكان بارد وجاف. وبهذه الطريقة، تضمن توفر “الذهب الأبيض” في منزلك طوال العام، بل ويمكنك الاحتفاظ بأكبر الفصوص لإعادة زراعتها في الخريف التالي، في دورة زراعية مستدامة ومجزية.